أحمد عبد الحافظ
حزام عشوائيات جديد يخنق القاهرة!
خرج الدكتور عاصم الجزار وزير الإسكان، ليؤكد دعمه قرار مجلس الوزراء بوقف البناء فى بعض أحياء عواصم المحافظات وبالأخص فى القاهرة والجيزة، وأن هناك مخططات تفصيلية سيتم وضعها خلال الفترة القادمة للأحياء التى ستتوقف بها أعمال البناء.
وأتفق مع الدكتور عاصم فى دعم القرار، لأن هذه المناطق قد وصلت إلى الحد الأقصى من استيعاب الكثافات السكانية، لكن بعيدا عن الجدل حول قبول القرار أو رفضه ومدى اتفاقه مع مصالح ملاك الأراضى وسكان هذه الأحياء، إلا أن الأمر ليس بهذه البساطة التى يبدو عليها، فهذا الإعلان يعنى أن الوزارة سيكون عليها مواجهة المعوقات التى يفرضها الواقع عند محاولة تطبيق القرار فى الفترة المقبلة.
وأحد أبرز هذه المعوقات هو أن حركة البناء العشوائى دائما ما تكون متفوقة على تحركات الدولة والحكومة، لأنها دائما أسرع وأكثر تأثيرا ومرونة واستجابة لمتطلبات السكان، قادرة على تغيير الموقف كاملا على الأرض فى ظرف أيام معدودة، بل قادرة على تغيير وجه مصر كله فى سنوات لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة كما حدث فى فترات الانفلات الأمنى عقب 2011، وعلى الجانب الآخر تقف البيروقراطية وبطئ القرار الحكومى مكتوف الأيدى أمامها.
وليس أدل على ذلك من الإجراءات التى اتخذتها الوزارة لتنفيذ القرار، فقامت بتكليف إداراتها المختصة بوضع مخططات استراتيجية عامة للمدن والقرى، وبناءً على هذه المخططات ستوضع مخططات أكثر تفصيلا حول المساحات التى يجب ضمها رسميا إلى الحيز العمرانى للمدن، وبناءً عليه التصالح مع أصحابها، ولكن باعتراف القائمين على هذه المخططات أنفسهم يصعب تنفيذها على أرض الواقع، إذ أن نسبة البناء المخالف فى هذه المناطق تتجاوز الـ 70% تقريبا، ما يعنى فى أغلب الأحوال أن المساحات المتبقية من هذه الأحوزة لا تصلح لتنفيذ شبكة مرافق وخدمات قادرة على خدمة هذه المناطق بكثافاتها السكانية العالية.
ناهيك عن أنه كثيرا ما تحدد المخططات عرض الشوارع بين 6 إلى 8 أمتار لتفادى الكثافات المرورية مثلا، ولكن تفاجئ جهات التنفيذ أن البناء العشوائى قد سبق مخططات الدولة وفرض معايير مختلف تماما وبالكاد يصبح عرض الشارع (الذى أصبح أكثر كثافة مما تم حصره) 4 أو 5 أمتار على الأكثر، ويمتد ذلك إلى كافة الخدمات من مدارس أو وحدات صحية أو مكاتب بريد أو نقاط شرطة و وحدات إطفاء.
وبذلك نصل إلى النقطة التى تتحول فيها الأفكار العظيمة والقرارات إلى حبر على ورق، وتنتهى المخططات إلى ضم مساحات جديدة من العشوائيات والمخالفات إلى الحيز العمرانى للمدن دون تصحيح أوضاعها، ودون توفير الخدمات والمرافق اللازمة لتحويل هذه المساحات إلى جزء من مدينة حضارية متكاملة مترابطة توفر فرص عادلة ومتساوية لكافة سكانها، وينتهى القرار إلى تطويق المدن بحزام جديد من العشوائية وانعدام الأمن الاجتماعى والاقتصادى، بل وتقويض منجزات نظام 30 يونيو فى مجال مكافحة العشوائيات.
إن إقصاء الناس من ملاك وسكان هذه المناطق عن المشاركة فى خطط التطوير دائما ينتهى بالتحايل السريع لتقويض هذه الخطط من مضمونها، وذلك بمساعدة شبكات الفساد فى الأحياء ومقاولى الربح السريع.
يعنى ذلك أنه لا غنى عن ترتيب المشاركة المجتمعية، وتنظيم الناس بشكل يضمن التزامهم بالحفاظ على النسق العمرانى والحضارى الذى تضعه الدولة، ولنا فى مثلث ماسبيرو أسوة تقول بأن هذا الحل ليس مستحيلا، بل إنه أكثر فاعلية واستدامة.
نقلاً عن مبتدأ