محمود الجندي
الحنين للديكتاتورية في وزارة الإسكان
تختلف رؤية المواقف بحسب زاوية النظر والتحليل، فما قد تراه من زاوية اخفاقاً وانهياراً قد يكون من زاوية أخرى هو عين الحياد، وقمة ذلك أن تترك الأمور في مسارها الطبيعي دون محاولة للتأثير فيها أو عليها وأن لا يتدخل المسؤول لحماية هذا أو ذاك.
هنا يجب الإشادة بموقف المسؤول لا الهجوم عليه أو الادعاء بسوء الاختيار، فالأهم من قرار الاختيار هو ترك المجال مفتوحاً لإعادة تصحيح الخاطئ من تلك القرارات، وعدم مقاومة المسؤول لذلك بحجة أن هذا القرار كان قراراه أو أن هذا الشخص كان من اختياره .. فأعلى درجات الاتساق مع الصالح العام هو أن تؤيد قراراً هو ضد قرارك السابق.
طوال الأشهر التي تلت نزع "الناب الأزرق" من الوزارة، والأمور لم ولن تستقر بسهولة فهذا طبيعي جداً، ومن كان يظن غير ذلك فقد وقع أسير لمشاعر الحنين لأيام الديكتاتورية وأصابته متلازمة “ستوكهولم” الشهيرة والتي تجعل الضحية تقع في غرام الجلاد، هذا الديكتاتور الذي بنى استقرار فترته على استراتيجية "كتم الأنفاس" ومنع الهمس وفرض الرقابة على كافة الموظفين لحماية شلة من المنتفعين.
طوال قرابة 4 سنوات قضاها المخلوع في الديوان، نكل فيها بالجميع من السائق إلى المهندس إلى الإداري إلى النواب وكبار القيادات، لم يترك أحداً دون أن يذيقه العذاب ضعفين بسبب أو دون سبب، وأمام ذلك التزمت الغالبية الصمت و"مشيت جوه الحيط" وبمجرد رحيله تحول هؤلاء الذين آثروا السلامة إلى أبرز المهاجمين للقيادات الحالية رغم الفارق الشاسع بين هذا وذاك، ووصل الاعتراض إلى تقييم الاختيارات هذا يصلح وهذا لا يصلح، على الرغم من أن أحدهم لو كان في هذا المنصب لاختار المقربين منه وما استمع لمثل هذه التقييمات فـ"كل من على البر عوام".
لم أعرف أبداً مريضًا خضع لجراحة كبرى ثم خرج منها دون أن يعاني من الألم لفترة وباشر فيها الطبيب لفترات لحين استقرار حالته الصحية.. هذه هي طبيعة الأمور ومن يريد عكس ذلك واهم وضد المنطق.
فترة النقاهة هذه تحتاج إلى تضافر كافة الجهود لعبورها والتعافي من المرض، لا مناصبة المسؤولين الجدد العداء والتحريض عليهم بشكل بات يصب في صالح الديكتاتور المستبد الذي حقق استقرار وهمي بدهس رقاب الجميع.. هذا العداء الذي أصبح بمثابة خدمة مجانية تقدم للمستبد وهو يستمتع بما جمع من أموال لا مجال للحديث عن مصدرها.
الواقع يقول إن ما شهدته الوزارة من قرارات خلال الفترة الأخيرة يبعث برسالة للكافة أن البقاء للأصلح والاستمرار للأفضل ولا مجال للمكابرة أو المراوغة .. وأن مسؤول عاقل يقبل النقاش ويرحب بالتصحيح ومواجهة الفساد ولا يتدخل لحماية من يخطيء حتى وإن كان من اختياره .. خير من ديكتاتور لا يعرف سوى لغة التنكيل والإقصاء وتقريب وحماية الفاسدين.