
محمود الجندي
وليد فاروق ..صوت الذهب في الصحافة العربية
أشعر بمرارة حقيقية لما يتعرض له الزميل العزيز وليد فاروق من حملات تشويه ممنهجة، تقودها بعض الأطراف داخل سوق الذهب، في محاولات يائسة لإسكات صوته، بعدما أزعجها حضوره المهني وكشفه المتكرر لمخالفات طالما ظلت في الظل، وليد لم يكن يومًا صحفيًا باحثًا عن مجد شخصي، بل صاحب رسالة، اختار طريقًا شائكًا، لكنه مضي فيه بإصرار وضمير حي.
أعرف وليد منذ سنوات، وأشهد له بما لمسته عن قرب من نزاهة مهنية، وانحياز دائم للحق، مهما كانت الكلفة، في زمنٍ بات فيه البعض يساوم على ضميره، فضّل هو أن يكون إلى جانب الحقيقة، ولو كان الثمن حملات ممنهجة وإساءات شخصية.
وإن كنت زميلًا له، وقد يُقال إن شهادتي مجروحة، فإن الواجب المهني والإنساني يُحتم علي أن أنصفه، لا سيما في وجه حملة لا تستهدفه وحده، بل تستهدف أيضًا قيم الصحافة الحرة والنزيهة.
ليس سهلاً أن تتخلى عن منطقة أمان مهني حققت فيها نجاحًا ملموسًا، لتسلك طريقًا جديدًا محفوفًا بعدم الاستقرار المادي والنفسي، خاصة في ظل تراجع فرص العمل الصحفي، والتضييق الذي أصاب المهنة منذ عام 2014.
ومع ذلك، اختار الزميل وليد فاروق أن يسير عكس التيار، مفضّلًا أن يلاحق حلمه في تغطية قطاع الذهب والمجوهرات، رغم ما في ذلك من صعوبات ومعوقات.
تحمّل الكثير من أجل شغفه، ووافق أن يعمل في تغطية قطاعات لا تمثّل اهتمامه الحقيقي، مثل السياحة والعقارات، فقط كي يحتفظ بحقه في الكتابة عمّا يحب، عن ذلك القطاع الذي كان يراه من بعيد "حلمه الكبير"، كما كان يردد دائمًا في بدايات الطريق.
لقد قدّم وليد فاروق نموذجًا فريدًا للصحفي المتخصص، ليس فقط من خلال تحقيقاته وكتاباته، بل من خلال قدرته على أن يكون صوتًا حيًا لقطاع حيوي كقطاع الذهب، وأن ينقله من الهامش إلى صدارة المشهد الاقتصادي والإعلامي، هو ليس فقط صحفيًا، بل إنسانٌ يحمل همّ قطاع بأكمله، ويؤمن بدوره في نشر الوعي، وتعزيز الشفافية، وكشف المستور.
وليد فاروق لم يُقدّم المعلومة فقط، بل جعل من الذهب قصة تستحق أن تُروى، وواقعًا يجب أن يُفهم، وتاريخًا لا يجب أن يُنسى، استطاع أن يكون صوتًا موثوقًا في مجال الصحافة المتخصصة في الذهب والمجوهرات، وأن يُسلط الضوء على هذا القطاع الحيوي، مقدمًا محتوى غنيًا ومتنوعًا يُثري المعرفة ويُسهم في توعية الجمهور بأهمية هذا القطاع.
من أبرز ما يُميز وليد هو البُعد الإنساني الذي يطبع أعماله؛ يتعامل مع الذهب لا كسلعة، بل كقيمة ترتبط بالثقافة والهوية والتاريخ، في مقالاته، دائمًا ما نجد ذلك النبرة التي تعكس اهتمامه بالمواطن البسيط، فيشرح له تعقيدات السوق بلغة يفهمها، ويُقدم له المعلومة الاقتصادية بأسلوب سهل، ربما لهذا السبب بات محل ثقة الجمهور، ومرجعًا لا يُستغنى عنه لكل من يعمل أو يتابع سوق الذهب.
يعتمد وليد على مصادر موثوقة، وبيانات حية من السوق، لم يكتفِ يوماً بالتقارير الرسمية، بل نزل إلى السوق، تحدث مع الناس، استمع إليهم، وكتب عنهم، حتى أصبح كما قال أحد الزملاء: "يعرف مصاريين سوق الذهب".
استطاع زميلنا العزيز، أن يؤسس لمسار صحفي مهني، قائم على الاحتراف والتخصص والمصداقية، وقدّم مثالًا على أهمية الصحافة المتخصصة ودورها في توصيل المعرفة الدقيقة للجمهور، وتعزيز الشفافية في سوق حساس مثل سوق الذهب، والتواصل الفعّال بين المستهلك وصناع القرار في الصناعة.
من خلال كتاباته، ساهم في توثيق تاريخ الصاغة في مصر، مُبرزًا دورهم في الاقتصاد والثقافة، ومُسلطًا الضوء على التحديات التي تواجه هذه المهنة العريقة.
أصدر وليد فاروق عدة كتب تُعد مراجع مهمة في مجال الذهب، منها، أساور من ذهب، وكتاب صاغة مصر، وكتاب المجوهرات وجسد المرأة، كما أطلق وليد فاروق برنامج "عيار 24" على قناة صدى البلد، ليكون أول برنامج تلفزيوني عربي متخصص في الذهب والمجوهرات.
من خلال التزامه بالمهنية في التناول الصحفي، ساهم وليد فاروق في رفع مكانة الصحافة المتخصصة، وأثبت أن التخصص في ملف بعينه – مثل الذهب – يمكن أن يحقق تأثيرًا إعلاميًا واسعًا، إذا ما قُدّم بأسلوب احترافي ومبني على المعرفة والخبرة.
ولأن طريق النزاهة مكلف، كان من الطبيعي أن يواجه محاولات تكميم للصوت، وتشويه للصورة، لكن من يعرف تاريخه، يدرك أنه أقوى من كل ذلك، فهو من الصحفيين القلائل الذين اختاروا الطريق الأصعب، في زمن كثر فيه التهافت على السهل والمضمون.
"لا تحزن يا صديقي وتماسك، فمن يسلك درب الحقيقة لا بد أن يدفع ثمنًا، وهذه ضريبة الشرف المهني."