محمود الجندي: التسجيل العقاري هو مفتاح الحل لأزمة السكن في مصر

قال الكاتب والصحفي محمود الجندي إن الفكرة الشائعة عن "الفقاعة العقارية" ترتبط عادة بتعثر واسع في سداد القروض العقارية، كما حدث في أزمة العقار الأمريكية عام 2008، حين أدّت سهولة الحصول على التمويل إلى تضخّم غير مستدام في الأسعار.
مؤكدا أن في مصر، يختلف المشهد كليًا، إذ يظلّ استخدام التمويل العقاري محدودًا للغاية بسبب شروط معقدة، مثل اشتراط أن تكون الوحدة كاملة التشطيب ومُسجّلة بملكية نهائية.
وأضاف أن أغلب الوحدات تُباع بعقود عرفية أو توكيلات، في ظل واقع رسمي يؤكد أن نحو 90% من الوحدات السكنية غير مسجّلة.
واقترح الجندي تعديل التشريعات الحالية لتوسيع نطاق التسجيل ليشمل أنواعًا أكثر من الوحدات، مثل الوحدات نصف التشطيب، مؤكدًا أن هذا الإجراء سيساعد على فتح باب التمويل العقاري أمام فئات أوسع من المواطنين، مما يشجع على الشراء ويُسهم في تخفيف أزمة السكن.
وأشار الجندي إلى أن مصر تمتلك 13 مليون وحدة مغلقة بالإضافة إلى نحو 10 ملايين وحدة أخرى، معظمها مملوك للقطاع الخاص، بينما يركز أغلب المطورين العقاريين على بناء وحدات فاخرة مخصصة للاستثمار، وهي لا تتناسب إلا مع شريحة محدودة جدًا من المجتمع — تُقدر بنحو 100 ألف عميل سنويًا فقط من بين أكثر من 100 مليون مواطن.
وأوضح أن الحكومة تدخلت لتوفير الإسكان الاجتماعي عبر بناء نحو 600 ألف وحدة مدعومة بالكامل من الدولة، يحصل عليها المستفيدون وفق ضوابط تشمل إثبات الدخل وعدم امتلاك مسكن آخر.
كما أشار إلى نموذج “الطرح الحر” الذي تنظمه وزارة الإسكان، ويتيح وحدات بأسعار واقعية مقارنة بالسوق الخاص، لكنه يعاني من ثغرات، إذ يستغل بعض السماسرة برامج إلكترونية وأكواد متعددة لحجز الوحدات فور طرحها على مواقع الوزارة أو بنك التعمير والإسكان، ليعيدوا بيعها لاحقًا بربح.
وقال إن النظام القائم على أسبقية الحجز الإلكتروني بدلًا من القرعة العادلة يفتح بابًا للمضاربة، مضيفًا أن هناك أيضًا طرحًا خاصًا للمصريين في الخارج تُسعّر وحداته بالدولار.
★★غياب الرقابة أدى لتحول الوحدات المدعومة إلى سلعة بالملايين
ذكّر الجندي بتجربة البرنامج القومي للإسكان خلال عامي 2005 و2008، الذي أتاح للدولة تخصيص أراضٍ للمطورين مقابل بناء وحدات لمحدودي الدخل بأسعار ثابتة تراوحت بين 95 و105 آلاف جنيه فقط (أي نحو 2000 دولار وقتها).
لكن ضعف الرقابة وتراخي تطبيق الشروط القانونية جعلا هذه الوحدات تُباع اليوم بأسعار تصل إلى ملايين الجنيهات.
وأشار إلى أن قانون المطورين العقاريين ما زال قيد المناقشة في البرلمان منذ سنوات دون تقدم يُذكر، معتبرًا أن أحد الحلول الممكنة هو تحديد سقف سنوي لإنتاج الوحدات الجديدة لزيادة الطلب على الوحدات الشاغرة، خصوصًا في المدن الكبرى كالقاهرة.
وأضاف أن الدولة اختارت بدلًا من ذلك الدخول كمنافس للمطورين، عبر تمويل وبناء مشروعات ضخمة، مشيرًا إلى أن الحكومة تخطط لطرح 400 ألف وحدة جديدة في 2025 رغم أن إجمالي المبيعات السنوية في السوق — الحكومية والخاصة — لا يتجاوز 125 ألف وحدة.
تحدث الجندي عن نموذج الإيجار بغرض التمليك باعتباره من أبرز الحلول الاجتماعية للسكن، حيث يسمح للمواطنين من محدودي الدخل باستئجار وحدة لمدة 7 سنوات بإيجار شهري مدعوم جزئيًا من صندوق الإسكان الاجتماعي،على أن تؤول ملكية الوحدة للمستأجر بعد انتهاء المدة واستيفاء الشروط.
وأوضح أن هذا النظام يساعد الشباب والأسر محدودة الدخل على امتلاك مساكنهم تدريجيًا، لكن تطبيقه ما زال محدودًا جدًا، وعدد المستفيدين منه لا يتناسب مع حجم الحاجة الفعلية في السوق.
وأرجع الجندي جزءًا من جذور أزمة السكن الحالية إلى سياسات تثبيت الإيجارات التي فُرضت في عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، والتي أجبرت الملاك على التأجير بأسعار رمزية، مما أدى إلى عزوف المستثمرين عن البناء لسنوات طويلة.
وأشار إلى أن العديد من المستأجرين بعقود قديمة يمتلكون عقارات أخرى أو فيلات، ومع ذلك يحتفظون بوحداتهم القديمة بأسعار زهيدة، وهو ما وصفه بأنه ظلم للملاك.
وأضاف أن القانون الجديد يسعى إلى حصر الحالات التي يمتلك فيها المستأجر عقارات أخرى، ومنح المستحقين وحدات بديلة، وهو توجه عادل.
لكنّه استبعد أن يؤدي تحرير هذه الوحدات إلى انتعاش فعلي للسوق، موضحًا أن أغلب العقارات القديمة متهالكة وغير صالحة للسكن، وبالتالي لن يكون لها تأثير ملموس حتى بعد انتهاء الفترات الانتقالية (7 سنوات للسكني و5 سنوات للتجاري).